الأحد، 10 أبريل 2011

"وإوعى تخاف من البوليس داحنا ساكريكير رمسيس"

كنا في أثناء أيام الدراسة نردد هذه الأغنية خلال كل رحلة نقوم بها، ونحن نطالب السائق، المنتمي إلى مدرستنا الجليلة، ألا يلتزم بقواعد السرعة، وألا يخشى من شيء.. .فنحن بنات الساكركير، فمن يقف أمامنا، حتى من رجال الشرطة؟؟

وأنا الآن أتأمل تلك الأغنية الساذجة التي كنا نرددها.. وبغض النظر عما ترسخه من مبادىء الطبقية، التي اعتدنا عليها في مصر بشكل لا يجعلنا نتردد في أن نصف أشخاص بأنهم "ولاد ناس"، وكأن كل الآخرين ولاد كائنات أخرى... ما علينا، لكن ما لفت نظري أكثر شيء عندما تذكرت هذه الأغنية، هو "اوعى تخاف من البوليس"... طبعا في هذا السياق كان من الطبيعي أن "نخاف من البوليس"، لأننا نريد مخالفة القوانين، أما السؤال الذي خطر لي فهو، هل الطبيعي هو أن نخاف من رجال الشرطة؟؟؟ وبدأت أنظر لأقاربي وأصدقائي، وهم يستخدمون دائماً اسم "رجال الشرطة" لتخويف أبنائهم من أي مخالفة ممكنة..

واكتشفت أنني وبالفعل أخاف من البوليس!!!!! بشكل مرضي... رغم أنه لم يسبق لي التعامل مع رجال الشرطة في مصر.. ورغم أنني بطبعي ملتزمة جداً، وأحاول تفادي القيام بأي مخالفة، وكثيراً ما أختلف مع زوجي لو زادت السرعة كيلو واحد أثناء القيادة... لأنيي لا أريد المخالفة... ولكني أتوتر جداً عندما أرى ضابط شرطة..

وعلي الآن أن أبحث في الوعي واللاوعي عن سبب هذا الخوف المرضي...

أتذكر الآن أيامي الأولى في ألمانيا، أثناء الكرنفال في مدينة كولونيا، عندما رأيت رجل الشرطة وهو يرسم على وجهه، ويبتسم للناس ويساعد الأطفال للدخول وسط الزحام للحصول على الحلوى التي توزع.... وأنا أقول لنفسي... "شيء غريب فعلاً"....

وأتذكر نفسي وأنا أصور الاحتفالات بكاميرا فيديو، وأفاجئ بضابط شرطة، فأبعد الكاميرا لا إرادياً بتوتر شديد، وكأنني أتوقع منه أن يصادر الكاميرا، وأفاجئ به يبتسم لي ويلوح للكاميرا لكي أصوره!!! "غريب جداً"..

أتذكر عندما كنت أمشي وحدي في وقت متأخر وأشعر بخوف في محطة المترو لوجود بعض المتسولين السكرانين، فأجد رجلي شرطة ظهرا من حيث لا أدري، وأوقفا هؤلاء الأشخاص لئلا يضايقوا المارين...

أتذكر مواقف كثيرة، فهمت فيها بالفعل ما تعنيه كلمة "الشرطة في خدمة الشعب"، وشعرت فيها بشيء من الطمأنينة، لشعوري أنني أستطيع أن أطلب البوليس إذا ما واجهني خطر ما في الطريق، وأنني سأجد من يحترمني ويسعى لحمايتي، دون أن أضطر أن أنتظر لساعات على الخط، ويا يلحقوني يا مايلحقونيش، ودون أن أضطر أن أبحث عن واسطة، لواء كده ولا حاجة، ودون أن أضطر إلى إثبات إني "بنت ناس"....

وأتذكر أننا في إحدى زيارتنا إلى مصر تعرضنا لحادث وأراد زوجي أن يتصل بالشرطة (يظهر أنه قعد في ألمانيا أكتر من اللازم)، ولن أكمل القصة...

لكني لا أنكر أنني مازلت أتوتر عندما أرى رجل شرطة في الشارع، لدرجة قد تدفعه للشك في!!!! وخلال حديثي مع صديقة سورية فوجئت أنها تعاني من نفس المشكلة، رغم أنها تعيش هنا منذ أكثر من ثلاثين عاماً... ويبدو فعلاً أن التعليم في الصغر كالنقش عالحجر..

لست مصابة بعقدة الخواجة، أو ربما مصابة بها (بما أني متربية عليها من زمان)، لكني أظن أن خبرة السفر الكثيرة مع بعض الاستعداد لتغيير أفكاري المسبقة عن تلك البلاد، تلك الأفكار التي بنيتها من خلال وسائل إعلام، لم أكن أعلم إلى أي مدى هي موجهة، ومن خلال كتاب وصفوا البلاد من وجهات نظرهم الشخصية. ولكني الآن أتحدث عما عشته في تلك الخبرات لأني سئمت تلك الأفكار التي يكررها الكثيرون دون سابق معرفة بالبلدان، أو بعد زيارة قصيرة لم تتعد أيام.. أريد أن أتكلم عما عشته هنا لسنوات...