السبت، 8 أغسطس 2009

أتمنى أن نتعلم أن ننتقد ما يجب انتقاده...







كتبت في 7 يوليو 2009

لقد صمت عندما قرأت حادثة مقتل مروة، لكني صدمت أكثر من ردود الأفعال!! ولا أقصد بذلك بالطبع الغضب الذي ساد الشارع المصري، فهذا أمر طبيعي... ولكني أقصد أن يصل هذا الغضب بنا إلى الغباء والتعميم الأعمى وأن تسود ثقافة الغوغائية!!

نعم، قتلت مروة لأسباب عنصرية، وقتلها ألماني روسي متعصب.. تعصبه في الغالب موجه بشكل خاص ضد المسلمين وربما ضد الأجانب بشكل عام..

ولكن هل يمكن أن يؤكد البعض في وسائل الإعلام العربية أن هذه كانت مؤامرة ألمانية؟

وهل يمكن أن يكون رد فعل أغلبية المصريين: "نعم، فالألمان يكرهون المسلمين والعرب، وألمانيا تقوم بحملة منظمة لإبادتهم!!" أو "من المعروف أن الغرب يكرهنا"..

نعم قتلت مروة لأسباب عنصرية، لكنها قبل أن تقتل، تقدمت بشكوى ضد من سبها ووصفها بالـ"إرهاب"، لمجرد أنها ترتدي الحجاب.. ولو كانت المحكمة متآمرة لما حكمت لها، ولما حكمت على الجاني بغرامة مادية بتهمة السب والعنصرية..

وأنا هنا لا أدافع عن المحكمة، ولكني أرى أنه لكي نتقدم للأمام فعلينا أن نسمي المشكلات بأسمائها:

الصدمة الكبرى بالنسبة لي كانت أن تقتل مروة في قاعة المحكمة!!

وكيف يكون القاتل قد تمكن من الدخول إلى القاعة وهو يحمل سلاحاً، أياً كان نوعه؟

ولكني أعلم أنها ليست الحالة الأولى، فمنذ عدة أشهر قام أحد المتهمين (الألمان)، بقتل أخت زوجته (الألمانية) بمسدس داخل قاعة إحدى المحاكم في ولاية بافاريا..

وبالتالي هناك وقفة..

واضح أن المحاكم غير مؤمنة بشكل كاف، وأن الشرطة المتواجدة غير مؤهلة لمثل هذه الحالات.. وواضح أن على الألمان أن يعيدوا النظر في فكرة أن يترك المتهم حراً طليقاً... أو دون حراسة شخصية على أقل تقدير...

فوجئت في اليوم التالي للحادث بالكثيرين الذين يتصلون بي متسائلين: "لماذا أهملت وسائل الإعلام الألمانية هذا الحادث، ولم تكتب عنه؟"

وبعدها عرفت أن بعض وسائل الإعلام العربية أكدت أن الحادث أهمل تماماً في وسائل الإعلام الألمانية، بالرغم من أني قرأت الحادث في الصحف الألمانية الالكترونية (دير شبيجل، تاجسشاو، شتيرن، فوكوس، فرانكفورتر ألجماينه، تاجستسايتونج... وغيرها)، منذ اليوم الأول للحادث وقبل أن تكتب عنه أية صحيفة عربية..

وما فاجأني أكثر هو سياسة القطيع.. فالأغلبية جرت وراء هذه الفكرة، لتثبت لنفسها ما تريد إثباته دون أن تبحث أو تتقصى..

وانتقد البعض أن الصحف لم تبرز الحدث ولم تخصص له الصفحات الأولى، ولكنه ليس بالأمر المعتاد في مثل هذه الحوادث، وعندما تقتل أم أبنائها التسعة (وهي حادثة اكتشفت العام الماضي)، لا تكتب عنها الصحف أكثر من خبر صغير.. وهي في رأيي أيضاً ظاهرة اجتماعية يجب مناقشتها، وليست الوحيدة من نوعها في السنوات الأخيرة في ألمانيا...

وأنا لا أدافع عن الصحف الألمانية، لكني أريد أن ننتقد ما يستحق الانتقاد...

ففي رأيي السؤال الأهم من أي مساحة تخصصها الصحف ووسائل الإعلام الألمانية للحادثة، هو أي دور لعبه ربما الإعلام في نشر صور مغلوطة عن الآخر؟ وترويج سياسة الخوف من الآخر المختلف؟

وما هو الدور الذي أهملته وسائل الإعلام في دعم التفاهم والحوار؟

وما هي القضايا التي تحرك وسائل الإعلام؟؟؟ ولماذا فردت الصفحات للانتخابات الإيرانية في كل الصحف العالمية – بما فيها العربية؟؟؟

صدمت من هتافات "مثل تسقط ألمانيا"، ومن اتهام النظام الألماني ككل بالتخاذل، ومن انتقاد الحكومة الألمانية التي لم تعط أية تصريحات سريعة ومن اتهام ألمانيا ككل بكراهية المسلمين..

ولو كان الحال بهذا السوء في ألمانيا، فلماذا اختار أكثر من 3 ملايين مسلم ألمانيا كوطن لهم؟ ولو كان الحال بهذا السوء، فلماذا بني أكبر جامع في أوروبا في مدينة دويسبورج الألمانية؟

ولماذا يأتي الآلاف للدراسة في ألمانيا سنوياً، وبينهم الكثير من المحجبات؟؟

أما عن موقف الحكومة الألمانية، فأنا لم أستغربه، بعد أن قضيت سنوات هنا... فالحكومة الألمانية شديدة التحفظ في تصريحاتها، وعندما يخطف ألمان في أي دولة في العالم، تأتي التصريحات بعد أيام وأيام وبعد أن تكون كل وسائل الإعلام قد كتبت عنها صفحات وصفحات..

وأنا لا أدافع عن الحكومة..

ولكني أرى أنه يجب توجيه الانتقاد السليم.. فحوادث العنصرية تزداد حسب الإحصائيات الرسمية في ألمانيا، بشكل واضح.. وهي ليست موجهة فقط ضد المسلمين، ولا فقط ضد العرب.. لكن هناك حوادث كراهية للأجانب بشكل عام من هنود وأفارقة ويهود وغيرهم.. وعدد النازيين الجدد في ازدياد واضح، خاصة في بعض المدن وبعض المناطق من ألمانيا.. وبالتالي على الحكومة أن تواجه مثل هذه الحوادث وتبدأ في التعامل معها بشكل أكثر فعالية.. يجب إيجاد أسبابها والسعي إلى علاجها..

ويجب قبل أي شيء أن نتعلم أن نسمي الأشياء بأسمائها، وننتقد ما يجب انتقاده..